فصل: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان **


الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، فأكمله -سبحانه- لنا وأتمه، وأتم به علينا النعمة، ورضيه لنا ديناً، وجعلنا من أهله وجعله خاتماً لكل الدين وشرعة، ناسخاً لجميع الشرائع قبله، وبعث به خاتم أنبيائه ورسله محمداً صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون‏}‏ ‏[‏الأنعام/ 153‏]‏، وجعل نهايته‏:‏ رضوان الله والجنة ‏{‏قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين‏.‏ يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم‏}‏ ‏[‏المائدة/ 15، 16‏]‏‏.‏ ‏{‏وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم‏}‏ ‏[‏التوبة/ 72‏]‏، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره‏:‏ ‏{‏أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون‏}‏ ‏[‏آل عمران/ 83‏]‏‏.‏

ونعوذ بالله من طريق‏:‏ ‏"‏المغضوب عليهم‏"‏‏:‏ ‏"‏اليهود‏"‏‏:‏

‏"‏ الأمة الغضبية، أهل الكذب، والبُهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، واكلة السحت -وهو الربا والرشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، واقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العدواة والشحناء، بيت السحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولانصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم‏:‏ أعقلهم، وأحذقهم‏:‏ أغشهم، وسليم الناصية -وحاشاه أن يوجد بينهم- ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدوراً، وأظلمهم بيوتاً، وأنتنهم أفنية، وأوخشهم سحيّة، تحيتهم‏:‏ لعنة، ولقاؤهم‏:‏ طيرة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت‏"‏ ‏[‏ما جاء بين القوسين من‏:‏ ‏"‏ هداية الحيارى ‏"‏ لابن القيم‏.‏ وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة‏]‏‏.‏

ونعوذ بالله من طريق ‏"‏الضالين‏"‏‏:‏ ‏"‏النصارى‏"‏‏:‏

‏"‏المثلثة، أمة الضلال، وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شئ، بل قالوا فيه ما‏:‏ ‏"‏تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا‏"‏ فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها‏:‏ أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات، ودفن، فدينها‏:‏ عبادة الصليب، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر، والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم‏:‏ يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا‏!‏ فدينهم شرب الخمور، واكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله ‏"‏القس‏"‏ والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير‏"‏‏.‏

ونعوذ بالله من كل‏:‏ ‏"‏عابد أوثان، وعابد نيران، وعابد شيطان، وصابئ حيران؛ يجمعهم الشرك، وتكذيب الرسل، وتعطيل الشرائع، وإنكار المعاد، وحشر الأجساد، لا يدينون للخالق بدين، ولا يعبدونه مع العابدين، ولا يوحدونه مع الموحدين‏.‏ وامة ‏"‏المجوس‏"‏ منهم تستفرش الأمهات والنبات، والأخوات، دع العمات، والخالات، دينهم‏:‏ الزمر، وطعامهم‏:‏ الميتة، وشرابهم‏:‏ الخمر، ومعبودهم النار، ووليهم‏:‏ الشيطان، فهم أخبث بني آدم نحلة، وأرداهم مذهباً، وأسوأهم اعتقاداً‏.‏

واما الزنادقة الصابئة، وملاحدة الفلاسفة، فلا يؤمنون بالله، ولا ملائكته ولا كتبه، ولا رسله، ولقائه، ولا يؤمنون بمبدء، ولا معاد، وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار، لما يريد، قادر على كل شئ، عالم بكل شئ، آمر، ناهٍ، مرسل الرسل، ومنزل الكتب، ومثيب المحسن، ومعاقب المسئ، وليس عند نظارهم إلا تسعة افلاك، وعشرة عقول، وأربعة أركان، وسلسلة ترتبت فيها الموجودات هي بسلسلة المجانين أشبه منها بمجوزات العقول‏"‏‏.‏

فالحمد لله الذي اعاذنا من سُبل الضلالة، التي تجمعها هذه الطرق الخمسة الشيطانية‏:‏

طريق المغضوب عليهم‏:‏ اليهود، وطريق الضالين‏:‏ النصارى، وطريق الصابئة‏:‏ الزنادقة الملاحدة الحيارى، وأخلافهم أخلاف السوء الشيوعيين، ومن شاكلهم، وطريق المجوس‏:‏ مجمع الخبائث قولاً، وفعلاً، واعتقاداً، وطريق المشركين‏:‏ عبدة الأوثان، مكذبة الرسل والأنبياء‏.‏

الحمد لله الذي اعاذنا منها، ‏"‏وأغنانا بشريعته -شريعة الإسلام- التي تدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، فله المنة، والفضل على ما أنعم به علينا، وآثرنا به على سائر الأمم، وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة، وان يفتح لنا أبواب التوبة، والمغفرة، والرحمة‏"‏‏.‏

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعالى، وتقدس عن كل مبطل كذاب، ومشرك يعدل به غيره من الالهة المخلوقين، والأرباب المكذوبين‏:‏ ‏{‏ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون‏}‏ ‏[‏المؤمنون/ 91-92‏]‏‏.‏

‏"‏وأشهد ان محمد عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من بريته، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، ابتعثه بخير ملة، واحسن شرعة‏.‏ وأظهر دلالة، وأوضح حجة، وأبين برهان إلى جميع العالمين إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، حاضرهم، وباديهم؛ الذي بشرت به الكتب السالفة، وأخبرت به الرسل الماضية، وجرى ذكره في الأعصار، في القرى والأمصار، والأمم الخالية‏.‏ ضُربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر إلى عهد المسيح ابن البشر‏"‏‏.‏

* أما بعدُ‏:‏ ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج ارض الله، بالدعوة إلى الله، والتبصير في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد والزندقة، ورد دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة‏:‏ القومية‏.‏ البعثية‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ الماركسية‏.‏ العلمنة‏.‏ الحداثة ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وصد عاديات التغريب والانحراف، والغزو والمعنوي بجميع أنواعه وضروبه، وأشكاله، بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة، وفراهة؛ كيداً للمسلمين، وطعناً في الدين، وليّاً بألسنتهم؛ لإفساد نزعة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الديانات، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت طلائعه المؤمنة، وسحب اهله عنه إلى ردةٍ شاملة‏.‏

وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع، كما قال ابو العلاء المعري‏:‏

يجنى تزايد هذا من تناقض ذا ** كالليل إن طال غال اليوم بالقصر

واعلى من ذلك وأجل قول الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا‏}‏ ‏[‏البقرة/ 217‏]‏‏.‏

وقوله -سبحانه-‏:‏ ‏{‏ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء‏}‏ ‏[‏النساء/ 89‏]‏‏.‏

وذلك فيما جهرت به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى‏:‏

‏"‏نظرية الخلط بين الإسلام وبين ما هم عليه من دين محرف منسوخ‏"‏ وزرع خلاياهم في أعماق الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملا إلى مسلم وكافر ابدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل‏.‏ ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات وصاغوا له كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، او سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشيطة، ظهر أمرها وانتشر وشاع واشتهر‏.‏

وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار، وجد ودأب في نشر التنصير، وتوسيع دائرته، والدعوة إليه، واستغلال مناطق الفقر، والحاجة، والجهل، وبعث النشرات عبر صناديق البريد‏.‏

من هنا اشتد السؤال ، ووقع كثيراً من أهل الإسلام عن هذه ‏"‏ النظرية ‏"‏ التي حلت بهم ، ونزلت بساحتهم ، ما الباعث لها ، وما الغالية التي ترمي إليها ، وما مدى مصداقية شعاراتها ، وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين ، وحكم من أجاب فيها ، وحكم من دعا إليها ، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين ، ونشرها في ديارهم ، ونثر من أجلها وسائل التغريب ، وأسباب التهويد ، والتنصير في صفوف المسلمين ‏.‏

حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة ‏:‏ ‏"‏ طبع القرآن الكريم ، والتوراة والإنجيل في في غلاف واحد ‏؟‏

وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء ‏"‏ مسجد ، وكنسية ، ومعبد ‏"‏ في محل واحد ، في ‏:‏ ‏"‏ رحاب الجامعات ‏"‏ و ‏"‏ المطارات ‏"‏ و ‏"‏ الساحات العامة ‏"‏ ‏؟‏

فما جوابكم يا علماء الإسلام ‏؟‏‏؟‏

بــين يدي الجــواب ‏:‏

لا شك أن الوضع قائم مشهور ، والسؤال وارد مطلوب ، والجواب واجب محتوم ، على كل من آتاه الله علماً ، وبصيرة في دين الله ، وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم ؛ لتبصير المسلمين في أمر دينهم ، وكشف الحقيقة عما يحل بهم ، حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم ، وحراسة الشريعة برد كل مكيدة توجد إليهم ، وإلى دينهم ‏:‏ ‏"‏ دين الإسلام ‏"‏ وتطعن في الله ، وفي كتابه ، وفي رسوله ، وسنته ، وهو باب عظيم من أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم ، وشرورهم عن المسلمين ، وهي تكون بالحجة والبيان ، والسيف والسنان ، والقلب والجنان ، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان ‏.‏ قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ‏}‏ ‏[‏ آل عمران / 79 ‏]‏ ‏.‏

وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال ، مبيناً له بالحجة ، والبيان ، والدليل والبرهان ، مرتباً له في مقامات ثلاثة ‏:‏

المقام الأول ‏:‏ المسرد التاريخي لهذه النظرية ، وتشخيص وقائعها وخطواتها في الحاضر والعابر ؛ ليحصل تمام التصور لمحل السؤال ‏.‏

المقام الثاني ‏:‏ في الجواب على سبيل الإجمال ‏.‏

المقام الثالث ‏:‏ في الجواب على طريقة النشر والتفصيل ، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها‏.‏

المقام الأول

المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها

إنها نظرية اليهود والنصارى ، وهي حديثة بصنع شعاراتها ، والعمل من أجلها على كافة المستويات - كما سيأتي - لسَحب المسلمين من إسلامهم ، لكنها قديمة عند اليهود ، والنصارى ، في كوكبة تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للإسلام ، والمسلمين ‏.‏

وبتتبع مراحلها التاريخية ، وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع هي ‏:‏

1- مرحلتها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏

قد بين الله - سبحانه - في محكم كتابه ، أن اليهود ، والنصارى في محاولة دائبة ؛ لإضلال المسلمين عن إسلاميهم ، وردهم إلى الكفر ، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية فقال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير ‏}‏ ‏[‏البقرة / 109‏]‏ ‏.‏

وقال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 111 ، 112 ‏]‏ ‏.‏

وقال - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ‏}‏ ‏[‏ البقرة / 135 ‏]‏ ‏.‏

وهكذا في عدد من آيات الله ، يتلوها المسلمون في كتاب الله ؛ ليحذروا الكافرين من اليهود ، والنصارى ، وغيرهم ، فخمدت حيناً من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة ‏.‏

2- مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة ‏:‏

ثم بدت محاولاتهم مرة أخرى تحت شعار صنعوه ، وموهوا به على الجهال ، وهو ‏:‏ أن الملل ‏:‏ اليهودية ، والنصرانية ، والإسلام ‏.‏ هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله - تعالى - ‏.‏ ‏[‏الفتاوى ‏:‏ 4 / 203‏]‏

وهكذا فيما يثيرونه من الشبه ، ومتشابه القول ، وبتر النصوص ، مما يوهمون به ، ويستدرجون به أقواماً ، ويتصدون به آخرين ، من ذوي الألقاب الضخمة هنا وهناك ‏؟‏

ثم تلقاها عنهم دعاة ‏:‏ ‏"‏ وحدة الوجود ‏"‏ و ‏"‏ الاتحاد ‏"‏ و ‏"‏ الحلول ‏"‏ وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر ، والشام ، وأرض فارس ، وأقاليم العجم ، ومن غلاة الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر ، وغيرهم حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود ، والتنصر ، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام ‏.‏‏.‏ وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم ، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو ‏:‏ ‏"‏ المحقق ‏"‏ وهو ‏:‏ الداعي إلى الحلول ، والاتحاد ‏.‏ ‏[‏وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع من كتبه الفتاوى ‏:‏ 4 / 203 - 208 ، 14 / 164 - 168 ، 28 / 523 ‏.‏ الصفدية ‏:‏ 1 / 98 - 100 ، 268 ‏.‏ الرد على المنطقيين ‏:‏ ص / 282 - 283‏]‏‏.‏

وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها ، والمناداة عليها ، وعلى منتحليها ، بأنها كفر وردة عن الإسلام ‏.‏

وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مواقف إسلامية مشهورة خالدة ، ولغيره من علماء المسلمين الذين ردوا على هؤلاء الغلاة، مثل الحلاج ‏:‏ الحسين بن منصور الفارسي ، المقتول على الردة 309 ‏[‏لا أستعمل الرمز ‏"‏ هـ ‏"‏ إشارة إلى التاريخ الهجري ؛ لأنه ليس لدينا في الإسلام سواه ، والتاريخ الميلادي ليس قسيماً له وعند وروده منقولاً أرمز له بحرف ‏:‏ ‏"‏ م ‏]‏ ، وابن عربي محمد بن علي الطائي ، قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود ، في كتابه ‏:‏ الفصوص ، المتوفي سنة 638 ، وابن سبعين ‏.‏ ت سنة 699 ، وغيرهم كثير ‏[‏تنبيه ‏:‏ عظمت الفتنة في عصرنا بمدح الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام والافتخار بهم ، وإظهار مقالاتهم ، وساعد على ذلك طبع المستعمرين - المستشرقين - لكتبهم ، ونشرها ، وكل هذه مخاطر يجب الحذر منها ، وعلى من بسط الله يده أن يكف أقلام أصحابها ، وألسنتهم ، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم - في نصرة هذا الدين ، وحماية لأهله من شرورهم‏]‏ ‏.‏

3- مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر ‏:‏

وقد خمدت حيناً من الدهر محتجرة في صدر قائليها ، المظهرين للإسلام ، المبطنين للكفر والإلحاد ، حتى تبنتها ‏"‏ الماسونية ‏"‏ ‏[‏الموسوعة الميسرة ‏:‏ ص / 449 - 454‏]‏ وهي ‏:‏ ‏"‏ منظمة يهودية للسيطرة على العالم ، ونشر الإلحاد والإباحية ‏"‏ ‏.‏ تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة ، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله ، فكلهم مؤمنون ‏.‏ وقد وقع في حبال دعوتهم ‏:‏ جمال الدين بن صَفدَر الأفغاني ، ت سنة 1314 بتركيا ‏[‏انظر ‏:‏ كتاب ‏:‏ ‏"‏ صحوة الرجل المريض ‏"‏ لموفق بني المرجه ‏:‏ ص / 345 ‏.‏ وكتاب ‏:‏ ‏"‏ جمال الدين الأفغاني في الميزان‏]‏ وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني ‏.‏ ت سنة 1323 بالإسكندرية ‏[‏المراجع السابقة‏]‏‏.‏

وكان من جهود محمد عبده ، في ذلك ، أن ألف هو ، وزعيم الطائفة ميرزا باقر الإيراني ، الذي تنصر ، ثم عاد إلى الإسلام ، ومعهم ممثل جمال الأفغاني ، وعدد من رجال الفكر في ‏:‏ ‏"‏ بيروت ‏"‏ ألفوا فيه جمعية باسم ‏:‏ ‏"‏ جمعية التأليف والتقريب ‏"‏ موضوعها التقريب بين الأديان الثلاثة ‏.‏ وقد دخل في هذه الجمعية بعض الإيرانيين ، وبعض الإنجليز ، واليهود ، كما تراه مفصلاً في كتاب ‏:‏ ‏"‏ تاريخ الأستاذ الإمام ‏:‏ 1 / 817 - 829 ‏"‏ تأليف محمد رشيد رضا ‏.‏ المتوفي سنة 1354 ‏.‏

ومن جهود محمد عبده في ذلك ، ملاسلات بينه ، وبين بعض القساوسة ، كما في كتاب ‏:‏ ‏"‏ الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده ‏:‏ 2 / 363 - 368 ‏"‏ جمع محمد عمارة ‏.‏

وقد جالت مطارحات في هذه النظرية ، بين عدد من المؤيدين ، والمعارضين ، بين محمد عبده ، ومحمد حسين هيكل ، والطبيب حسن الهراوي ، وعبد الجواد الشرقاوي ، وذلك في مجلة ‏:‏ ‏"‏ السياسة الأسبوعية بمصر ‏"‏ في الأعداد / 2821 لشهر صفر عام 1351 ، وما بعده ‏.‏

وفي ‏:‏ ‏"‏ صحيقة الهلال ‏"‏ في الأعداد / 484 ، 485 لعام 1357 ، 1358 ، مقالات بعنوان ‏:‏ ‏"‏ هل يمكن توحيد الإسلام والمسيحية ‏؟‏ ‏"‏ بين كل من / محمد فريد وجدي ، ومحمد عرفة ، وعبد الله الفيشاوي الغزي ، وبين القساوسة ، وكان الحوار ، وكانت المراسلات جارية في هذه المقالات في الجواب على هذا السؤال ‏:‏ هل يمكن التوحيد بين الإسلام والمسيحية من جهة الأسلوب الروحي فقط ، أو من جهة الأمور المادية ، وكان النصراني إبراهيم لوقا يستصعب توحيد الإسلام والمسيحية في كلا الأمرين جميعاً ، ولكنه استسهل الجمع بين المسلمين والنصارى في مصالح الوطن ، ثم قال ‏:‏

‏"‏ لا سبيل إلى الوحدة الكاملة إلا بأن تعتنق إحداهما مبادئ الأخرى ، فإما إيمان بلاهوت المسيح ، وتجسده ، وموته ، وقيامه ، فيكون الجميع مسيحين ، وإما إيمان بالمسيح كواحد من الرسل النبيين ، فيصبح به الجميع مسلمين ‏"‏ ‏.‏

4- مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر ‏:‏

في الربع الخير من القرن الرابع عشر هجري ، وحتى عامنا هذا 1416 ‏.‏ وفي ظل ‏"‏ النظام العالمي الجديد ‏"‏ ‏:‏ جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى ‏:‏ ‏"‏ التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية ‏"‏ باسم ‏:‏

‏"‏ الدعوة إلى التقريب بين الأديان ‏"‏‏.‏ ‏"‏ التقارب بين الأديان ‏"‏ ‏.‏ ثم باسم ‏:‏ ‏"‏ نبذ التعصب الديني ‏"‏‏.‏

ثم باسم ‏:‏ ‏"‏ الإخاء الديني ‏"‏ وله ‏:‏ فتح مركز بمصر بهذا الاسم ‏[‏في كتاب محمد البهي ‏:‏ ‏"‏ الإخاء الديني ، ومجمع الأديان / سياسة غير إسلامية ‏"‏ ‏.‏ ص / 3 قال ما نصه ‏:‏ ‏"‏ الإخاء الديني ‏:‏ جماعة تمارس نشاطها المشترك بين المسلمين والمسيحيين في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة‏]‏‏.‏

وباسم ‏:‏ ‏"‏ مجمع الأديان ‏"‏ وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم ‏[‏ في المرجع السابق ‏:‏ ‏"‏ مجمع الأديان ‏:‏ مبنى يقام في وادي الراحة بسيناء للعبادات الثلاثة‏]‏‏.‏

وباسم ‏:‏ ‏"‏ الصداقة الإسلامية المسيحية ‏"‏ ‏.‏

وباسم ‏:‏ ‏"‏ التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية ‏"‏ ‏.‏

ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات ‏:‏

* ‏"‏ وحدة الأديان ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ توحيد الأديان ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ توحيد الأديان الثلاثة ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ الإبراهيمية ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ الملة الإبراهيمية ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ الوحدة الإبراهيمية ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ وحدة الدين الإلهي ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ المؤمنون ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ المؤمنون متحدون ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ الناس متحدون ‏"‏ ‏.‏ الديانة العالمية ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ التعايش بين الأديان ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ المِلّيُون ‏"‏ ‏.‏ ‏"‏ العالمية وتوحيد الأديان ‏"‏ ‏[‏العالمية ‏:‏ مذهب معاصر ، يدعو إلى البحث عن حقيقة واحدة يستخلصها من ديانات العالم المتعددة ، وحقيقته نسف للإسلام انظر ‏:‏ معجم المناهي اللفظية ص / 270 - 371‏]‏‏.‏

ثم لحقها شعار آخر ، هو ‏"‏ وحدة الكتب السماوية ‏"‏ ‏.‏ ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع ‏:‏ ‏"‏ القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل ‏"‏ في غلاف واحد ‏.‏

ثم دخلت هذه الدعوة في ‏:‏ ‏"‏ الحياة التعبدية العملية ‏"‏ ‏[‏من هنا حتى الفقرة العاشرة ، مستخلص من ‏:‏ سلسلة تقارير المعلومات بوزارة الأوقاف الكويتية تحت الوثيقة رقم / 61334 بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ‏.‏ بالرياض‏]‏؛ إذ دعا ‏"‏ البابا ‏"‏ إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة ‏:‏ الإسلاميين والكتابيين ، وذلك بقرية ‏:‏ ‏"‏ أسِيس ‏"‏ في ‏:‏ ‏"‏ إيطاليا ‏"‏ ‏.‏ فأقيمت فيها بتاريخ ‏:‏ 27 / 10 / 1986 م ‏.‏

ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم ‏:‏ ‏"‏ صلاة روح القدس ‏[‏لم يفصح لنا الخبر إلى أي القبلتين صلى بهم البابا ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وهل كانت الصلاة في بيت رحمة - المسجد - أم في بيت عذاب ‏:‏ الكنيسة ، والمعبد ‏.‏ وهذه أول صلاة يؤم فيها كافر مسلماً ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏؟‏‏؟‏‏!‏‏!‏‏]‏

ففي ‏:‏ ‏"‏ اليابان ‏"‏ على قمة جبل ‏:‏ ‏"‏ كيتو ‏"‏ أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة ‏.‏

وما يتبع ذلك ، من أساليب بارعة للاستدراج ، ولفت الأنظار إليها والاتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان ‏.‏ وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية ‏:‏ ‏"‏ الحرية ، والإخاء ، والمساواة ‏"‏ أو ‏:‏ ‏"‏ السلام ، والرحمة ، والإنسانية ‏"‏ وذلك بالدعوة إلى ‏"‏ الروحية الحديثة ‏"‏ القائمة على تحضير الأرواح ، روح المسلم ، وروح اليهودي ، وروح النصراني ، وروح البوذي ، وغيرهم ، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة ، كما بين خطرها الأستاذ محمد محمد حسين - رحمه الله تعالى - في كتابه ‏:‏ ‏"‏ الروحية الحديثة دعوة هدامة / تحضير الأرواح وصلته بالصيونية العالمية ‏"‏ ‏.‏

آثار هذه النظرية على الإسلام والمسلمين ‏:‏

وعلى إثر هذا الدور العملي الجرئ حصل مجموعة من الآثار ‏:‏

* فمن آثارها ‏:‏ اقتحام العقبة ، وكسر حاجز الهيبة من المسلمين من وجه ، وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر ‏.‏

* ومن آثارها ‏:‏ أن قدم ‏:‏ ‏"‏ البابا ‏"‏ نفسه إلى العالم ، بأنه القائد الروحي للأديان جميعاً ، وأنه حامل رسالة ‏:‏ ‏"‏ السلام العالمي ‏"‏ للبشرية ‏.‏

* ومن آثارها ‏:‏ أن ‏"‏ البابا ‏"‏ اعتبر ‏:‏ يوم ‏:‏ 27 / 10 اكتوبر عام 1986 م عيداً لكل الأديان ، وأول يوم من شهر يناير ، هو ‏:‏ ‏"‏ يوم التآخي ‏"‏ ‏.‏

* ومن آثارها ‏:‏ اتخاذ نشيد ، يردده الجميع ، أسموه ‏:‏ ‏"‏ نشيد الإله الواحد رب ، وأب ‏"‏ ‏.‏

* ومن آثارها ‏:‏ أنه انتشر في العالم ، عقد المؤتمرات لهذه النظرية ، وانعقاد الجمعيات ، وتأليف الجماعات الداعية لوحدة الأديان ، وإقامة الأندية ، والندوات فكان منها ‏:‏

1- أنه في تاريخ 12 - 15 / 2 فبراير 1987 م ‏:‏ عقد ‏"‏ المؤتمر الإبراهيمي ‏"‏ في قرطبة ، بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى ، ومن المنتسبين للإسلام من القاديانيين والإسماعيليين ‏.‏ وكان انعقاده باسم ‏:‏ ‏"‏ مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية ‏"‏ ‏.‏ وافتتح لهذا الغرض معهد باسم ‏:‏ ‏"‏ معهد قرطبة لوحدة الأديان في أوربا ‏"‏ ‏.‏ أو ‏:‏ ‏"‏ المركز الثقافي الإسلامي ‏"‏ ‏.‏ أو ‏:‏ ‏"‏ مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية ‏"‏ ‏.‏

وكان متولي ذلك ‏:‏ النصراني ‏:‏ روجيه جارودي ‏.‏ وكانت أهم نقطة في انعقاده ، هي ‏:‏ إثبات الاشتراك واللقاء بين عدد من المنتسبين إلى الأديان ‏[‏انظر كتاب ‏:‏ ‏"‏ لا لجارودي ووثيقة إشبيلية ‏"‏ لسعد ظلام ‏.‏ وكتاب ‏:‏ ‏"‏ الإسلام والأديان ‏"‏ لمحمد عبد الرحمن عوض‏]‏

2- وفي تاريخ ‏:‏ 21 / 3 مارس / 1987 م تأسست الجماعة العالمية للمؤمنين بالله ، باسم ‏:‏ ‏"‏ المؤمنون متحدون ‏"‏ ‏.‏

3- وفي صيف هذا العام - أيضاً - تأسس ‏"‏ نادي الشباب المتدين ‏"‏ ‏.‏

4- وفي شهر إبريل ، منه - أيضاً - تأسست جمعية باسم ‏:‏ ‏"‏ الناس متحدون ‏"‏ ‏.‏

5- عمل لهذه المؤسسات ، لوائح ، وأنظمة داخلية ركزت على إذابة الفوارق بين الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية ، وتجريد الشخصية الإسلامية من هويتها ‏:‏ ‏"‏ الإسلام ناسخ لما قبله ‏"‏ و ‏"‏ القرآن ناسخ لجميع الكتب قبله ومهيمن عليها ‏"‏ وذلك باسم ‏:‏ ‏"‏ وحدة الأديان ‏"‏ ‏.‏

6- رأس مال جماعة ‏:‏ ‏"‏ المؤمنون متحدون ‏"‏ وهو ‏:‏ ‏"‏ 000 ‏,‏ 800 دولار ‏"‏ ‏.‏

7- في حال حلها تعود أموالها إلى ‏:‏ ‏"‏ الصليب الأحمر ‏"‏ ومؤسسات الصدقات الكنسية ‏.‏

8- من اعتبارات هذه الجمعية الرموز الآتية ‏:‏

* ‏"‏ رمز الإحسان ‏"‏ هو ‏:‏ مؤسس الصليب الحمر ‏.‏

* ‏"‏ رمز التطور ‏"‏ هو ‏:‏ دارون ‏.‏

* ‏"‏ رمز المساواة ‏"‏ هو ‏:‏ كارل ماركس ‏.‏

* ‏"‏ رمز السلام العالمي للبشرية و ‏"‏ الإخاء الديني ‏"‏ هو ‏:‏ البابا ‏.‏

9- اتخذت هذه الجمعية ‏"‏ راية ‏"‏ عليها الشعارات الآتية ‏:‏ ‏"‏ شعار الأمم المتحدة ‏"‏ و ‏"‏ قوس قزح ‏"‏ ‏[‏جاء في الإصحاح التاسع من سفر التكوين ‏"‏ مايفيد - قبحهم الله ما أكذبهم - أن الله جعل ‏"‏ قوس قزح ‏"‏ علامة تذكره أن لا يعود إلى إهلاك أهل الأرض مرة أخرى كما كان مع قوم نوح ، فهو علامة ميثاق بين الله وبين أهل الأرض ‏:‏ ‏"‏ أنه إذا رأى الله ‏:‏ ‏"‏ قوس قزح ‏"‏ تذكر حتى لا يتورط مرة أخرى في طوفان آخر ‏.‏ قاتل الله اليهود ما أكذبهم ، وعليهم لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ‏"‏ ‏.‏ وانظر ‏:‏ ‏"‏ قذائف الحق ‏"‏ للعزالي ‏(‏ ص / 24 - 25‏]‏ ورقم ‏"‏ 7 ‏"‏ - رمز النصر عندهم - وهو أيضاً اسم أول سفينة اكتشفت القارة الأمريكية ، وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة ‏.‏

10 - تتابع عقد المؤتمرات لوحدة الأديان في ‏:‏ ‏"‏ نيويورك ‏"‏ و ‏"‏ البرتغال ‏"‏ ، وغيرهما ‏.‏

* ومن آثار هذه النظرية ‏:‏ أنه فضلاً عن مشاركة بعض من المنتسبين إلى الإسلام في هذه اللقاآت - على أراضي الدول الكافرة - في المؤتمرات ، والندوات ، والجمعيات وإقامة الصلوات المشتركة ، مدفوعين كانوا أو مختارين - وأمرهم إلى الله تعالى - فإنه ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في الأفق ، وتصل إلىالأسماع ، وإلا وقد تسربت إلى ديار الإسلام ، فطاشت بها أحلام ، وعملت من أجلها أقلام ، وفاهت بتأييدها أفمام ، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى ، وعلى الدعوة بها سدة المؤتمرات الدولية ، وردهات النوادي الرسمية ، والأهلية ‏.‏

وكان منها في ‏:‏ ‏"‏ مؤتمر شرم الشيخ بمصر ‏"‏ في شهر شوال عام 1416 ، تركيز كلمات بعض أصحاب الفخامة ‏!‏‏!‏‏!‏‏!‏ من المسلمين ‏!‏‏!‏‏!‏‏!‏ على الصفة الجامعة بين المؤتمرين ، وهي ‏:‏ ‏"‏ الإبراهيمية ‏"‏ وهو مؤتمر يجمع لفيفاً من المسلمين ، واليهود ، والنصارى ، والشيوعين ‏.‏

ومنها أنه بتاريخ ‏:‏ 1416 / 10 / 10 ‏.‏ أعلن بعضهم عن إصدار كتاب يجمع بين دفتيه ‏:‏ القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل ‏"‏ ‏[‏نشر في وسائل الإعلام المختلفة ، ومنها في ‏:‏ جريدة الرأي ‏.‏ في العدد رقم / 9316 ، ص / 1 بتاريخ 13 / 10 / 1416‏]‏‏.‏

وفي بعض الآفاق صدر قرار رسمي بجواز تسمية مواليد المسليمن ، بأسماء اليهود المختصة بهم ؛ وذلك إثر تسمية مواليد المسلمين باسم ‏:‏ ‏"‏ رابين ‏"‏ ‏[‏نشر الخبر في وسائل الإعلام ، وفي الصحافة العالمية ‏.‏ منذ شهر رمضان عام 1416‏]‏‏.‏

وهكذا ينتشر عقد التهويد ، والتنصير ، بنثر شعاراتهم بين المسملين ، ومشاركة المسلمين لهم في أفراحهم ، وأعيادهم ، وإعلان صداقتهم ، والحفاوة بهم ، وتتبع خطواتهم وتقليدهم ، وكسر حاجز النفرة منهم بذلك ، وبتطبيع العلاقات معهم ‏[‏ تطبيع العلاقات ‏:‏ مصطلح دولي معاصر ، وهو اتفاق ، أو معاهدة ثنائية بين بلدين ، تهدف إلى جعل العلاقات بينهما طبيعية ، ومتكيفة مع الوضع الجديد للبلدين ، ويشمل التطبيع عدة نواح ، وليس مقصوراً على الناحية السياسية فقط ؛ إذ يشمل العلاقات الاقتصادية ، والتمثيل الدبلوماسي والتبادل التجاري ، والتعاون الإعلامي ، وفتح المجال للسياح من البلدين ‏.‏ ‏"‏ كتاب كلمات غريبة ‏:‏ 148 ‏"‏‏]‏‏.‏

وهكذا في سلسلة يجر بعضها بعضاً في الحياة المعاصرة ‏.‏

هذه خلاصة ما جهرت به اليهود ، والنصارى ، في مجال نظرية توحيد ديانتهم مع دين الإسلام ، وهي بهذا الوصف ، من مستجدات عصرنا ، باختراع شعاراتها ، وتبني اليهود ، والنصارى لها على مستوى الكنائس ، والمعابد ، وإدخالها ساحة السياسة على ألسنة الحكام ، والتتابع الحثيث بعقد المؤتمرات ، والجمعيات ، والجماعات ، والندوات ؛ لبلورتها ، وإدخالها الحياة العملية فعلاً ‏.‏ وتلصصهم ديار المسلمين لها ، من منظور ‏:‏ ‏"‏ النظام الدولي الجديد ‏"‏ ‏[‏ويقال ‏:‏ ‏"‏ النظام العالمي الجديد ‏"‏ و ‏"‏النظام العالمي المعاصر ‏"‏ وحقيقته من خلال القوى العاملة في ‏:‏ ‏"‏ المؤسسات الدولية ‏"‏ ‏:‏ نظام استمعاري غربي من وجه جديد ضد امم وحضارات ديانة الجنوب وفي مقدمتها ‏"‏ الملة الإسلامية ‏"‏ يهدف إلى سلب الدين والخلاق ، وفرض التقليد والتبعية لهم في خصوصيات حضارتهم في الدين والأخلاق‏]‏ ‏.‏ مستهدفين قبل هيمنة ديانتهم ، إيجاد ردة شاملة عند المسلمين عن الإسلام ‏.‏

وكان منشور الجهر بها ، وإعلانها ، على لسان النصراني المتلصص إلى الإسلام ‏:‏ روجية جارودي ‏[‏ انتشر إعلامياً حال هذا التقييد ، إعلان جارودي ، أنه لم يتخل عن النصرانية ، وأخذ يرمي بآراء جديدة في الإسلام ، منها أن الصلوات المفروضات ثلاث وليست خمساً وأنه يدعو إلى عقيدة دينية جديدة تخلط بين الإسلام والنصرانية والشيوعية ، إلى آخر كفرياته ، كما نشر في ‏:‏ ‏"‏ مجلة المجلة ‏"‏ هذا العام 1416 ‏.‏ وقد رد عليه شيخ الأزهر جاد الحق - رحمه الله تعالى - قبيل وفاته ، ورد عليه الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله بن باز المفتي العام للملكة العربية السعودية في ‏:‏ ‏"‏ مجلة البعث الإسلامي لعدد / 6 ربيع الأول عام 1417 ص / 24 - 31 ‏"‏ ‏.‏ ومثل هذا الرجل وانكشاف حقيقته بعد سنين ، يعطي المسلمين درساً بالتثبيت والتبين قبل الاندفاع ، فإن المسلمين قد أكبروه ، وشهروه ، ثم صارت حقيقة حاله ما ذكر ، فإلى الله المشتكى ، وهو المستعان‏]‏، فعقد لهذه الدعوة ‏:‏ ‏"‏ المؤتمر الإبراهيمي ‏"‏ ثم توالت الأحداث كما اسلفت في صدر هذه المقدمة ‏.‏

ولا يعزب عن البال ، وجود مبادرات نشطة جداً من اليهود والنصارى ، في الدعوة إلى ‏:‏ ‏"‏ الحوار بين أهل الديان ‏"‏ ‏[‏ وكان آخرها ‏:‏ ‏"‏ مؤتمر الإسلام والحوار الحضاري بين الأديان ‏"‏ المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الأول عام 1417 ‏.‏ وفي ‏:‏ ‏"‏ مجلة الإصلاح ‏"‏ الإماراتية في العدد / 351 في 1 / 4 / 1417 تقرير عنه ، وكشف حقائق مزعجة على لسان بعض المشاركين من المسلمين ‏؟‏‏!‏‏]‏ وباسم ‏"‏ تبادل الحضارات والثقافات ‏"‏ و ‏"‏ بناء حضارة إنسانية موحدة ‏"‏ و ‏"‏ وبناء مسجد ، وكنيسة ، ومعبد ‏"‏ في محل واحد ، وبخاصة في رحاب الجامعات وفي المطارات ‏.‏

وكان من مداخل السوء المبطنة لتمهيد السبيل إلى هذه النظرية ، وإفساد الديانة ، إجراء الدراسات المقارنة في الشرعيات ، بين الديان الثلاثة ، ومن هنا يتبارى كل في محاولة إظهار دينه على الدين كله ، فتذوب وحدة الدين الإسلامي ، وتميزه ، وتسمن الشبه ، وتستسلم لها القلوب الضعيفة ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وكنت أشرت إلى خطر ذلك في بعض ما كتبت ، ثم رايت كلاماً حسناً في مقدمة ترجمة الأستاذ / محمد خليفة التونسي ، لكتاب ‏:‏ ‏"‏ بروتوكولات حكماء صهيون ‏"‏ ‏:‏ ص / 78 فقال ما نصه ‏:‏

‏"‏ وقل مثل ذلك في علم مقارنة الأديان ، التي يحاول اليهود بدراسة تطورها ، ومقارنة بعض أطوارها ببعض ، ومقارنتها بمثلها في غيرها ، أن يمحوا قداستها ، ويظهروا الأنبياء ، مظهر الدجالين ‏"‏ انتهى ‏.‏

هذا عرض موجز عن تاريخ هذه النظرية ‏:‏ ‏"‏ وحدة الديان ‏"‏ وتدرجها في فتراتها الزمنية الثلاث المذكورة وبيان بعض آثارها التآمرية على الإسلام والمسلمين ، ويأتي في آخر الجواب الإجمالي تفصيل ما تستهدفه هذه النظرية في الإسلام والمسلمين‏.‏

المقام الثاني في الجواب على سبيل الإجمال

الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية ‏:‏ تحت أي من هذه الشعارات ‏:‏ إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة ‏:‏ ‏"‏ بغض الإسلام والمسلمين ‏"‏ ‏.‏ وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف ‏.‏ فهي في حكم الإسلام ‏:‏ دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة المحمدية - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة ، وإجماع ، وما ينطوي تحت ذلك من دليل ، وبرهان ‏.‏

لهذا ‏:‏ فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، الاستجابة لها ، ولا الدخول في مؤتمراتها ، وندواتها ، واجتماعاتها ، وجمعياتها ، ولا الانتماء إلى محافلها ، بل يجب نبذها ، ومنابذتها ، والحذر منها ، والتحذير من عواقبها ، واحتساب الطعن فيها ، والتنفير منها ، وإظهار الرفض لها ، وطردها عن ديار المسلمين ، وعزلها عن شعورهم ، ومشاعرهم والقضاء عليها ، ونفيها ، وتغريبها إلى غربها ، وحجرها في صدر قائلها ، ويجب على الوالي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها ، بعد وجود أسبابها ، وانتفاء موانعها ، حماية للدين ، وردعاً للعابثين ، وطاعة لله ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وإقامة للشرع المطهر ‏.‏

وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ، ونصارى ، فهم جديرون بذلك ؛ لأنهم لا يستندون إلى شرع منزل مؤبد ، بل دينهم إما باطل محرف ، وإما حق منسوخ بالإسلام ، أما المسلمون فلا والله ، لا يجوز لهم بحال الانتماء إلى هذه الفكرة ؛ لانتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق ، وصدق ، وعدل ، ورحمة ‏.‏

وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة ‏:‏ أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية ‏[‏انظر كتاب ‏:‏ ‏"‏ الإيمان ‏"‏ لعثمان عبد القادر الصافي ‏.‏ ص / 117‏]‏ تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين ‏:‏ عقيدة ، وأرضاً ، وملكاً ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في‏:‏

1- إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة ‏.‏

2- قصد المد الإسلامي ، واحتوائه ‏.‏

3- تأتي على الإسلام من القواعد ، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ، وَوَأدِه ‏.‏

4- حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه ؛ لإحلال الأخوة البلدية اللعينة ‏:‏ ‏"‏ أخوة اليهود والنصارى ‏"‏ ‏.‏

5- كف أقلام المسلمين ، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ، ممن كفرهم الله ، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان ‏.‏

6- وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام ، ويترك ما سواه من الأديان ‏.‏

7- وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام ‏:‏ الجهاد في سبيل الله ، ومنه ‏:‏ جهاد الكتابيين ، ومقاتلتهم على الإسلام ، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا ‏.‏

والله - سبحانه وتعالى - يقول ‏:‏

{‏قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ‏}‏ ‏[‏ التوبة / 29 ‏]‏ ‏.‏

وكم في مجاهدة الكافرين ، أعداء الله ، ورسوله ، والمؤمنين ، من ‏"‏ إرهاب ‏"‏ لهم ، وإدخال للرعب في قلوبهم ، فينتصر به الإسلام ، ويذل به أعداؤه ، ويشف الله به صدور قوم مؤمنين ‏.‏

والله - تعالى - يقول ‏:‏ ‏{‏ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ‏}‏ ‏[‏ الأنفال / 60 ‏]‏ ‏.‏

فواعجباً من تفريط المسلمين ، بهذه القوة الشرعية ؛ لظهور تفريطهم في مواقفهم المتهالكة ‏:‏ موقف ‏:‏ اغتيال الجهاد ، ووأده ‏.‏ وموقف ‏:‏ تأويل الجهاد للدفاع ، لا للاستسلام على كلمة الإسلام أو الجزية إن لم يسلموا ‏.‏ موقف ‏:‏ تلقيب الجهاد باسم ‏:‏ ‏"‏ الإرهاب ‏"‏ للتنفير منه ؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللاحق ‏؟‏

وإن فرض الجزية على اليهود ، والنصارى ، إن لم يسلموا ‏:‏ عزة للمسلمين ، وصغار على الكافرين ؛ لهذا كانت لهم محاولات منذ القرن الرابع الهجري لإبطال الجزية ، وإسقاطها عنهم ، وكان أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري ، فعرضه الوالي على العلماء ، فحكم الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 - رحمه الله تعالى - بأنه مزور موضوع ؛ لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة 7 ، وهم يزعمون أن هذا الكتاب ، وضع عنهم الجزية عام خيبر ، وفيه شهادة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وقد توفي عام الخندق قبل خيبر ‏.‏ فثبت تزويره ‏.‏

وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر ، وفي كل مرة يحكم العلماء بتزويره ، فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفي سنة 463 فأبطله ‏.‏

وأ خرجوه في القرن السابع في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفي سنة 728 - رحمه الله تعالى - فأبطله ، وهكذا ، وشرح ذلك مبسوط في كتاب ‏:‏ ‏"‏ أحكام أهل الذمة ‏:‏ 1 / 5 - 8 ‏"‏ لابن القيم المتوفي سنة 751 - رحمه الله تعالى - ‏.‏

وزور النصارى ‏"‏ وثيقة سانت كاترين ‏"‏ المعلقة في ‏:‏ ‏"‏ دير طور سيناء ‏"‏ ‏:‏ ‏"‏ سانت كاترين ‏"‏ و ‏"‏ كاترين ‏"‏ اسم زوجة أحد الرهبان ، وقد سميت كنيسة دير الطور باسمها ؛ لأنها دفنت فيها في القرن التاسع ‏.‏

وهي وثيقة مكذوبة وضعها النصارى ‏.‏

وفي ‏:‏ ‏"‏ مجلة الدارة ‏"‏ العدد / 3 لعام 1400 ‏.‏ ص / 124 - 130 ‏.‏ بحث مهم في بيان بعض الوثائق التي زورها اليهود ، والنصارى ، ومنها هذه الوثيقة ‏.‏ والكاتب هو عبد الباقي فصه ‏.‏ الجزائر ‏.‏ جامعة قسنطينة ‏.‏

ويزاد عليه ‏:‏ أن من أدلة تزويرها ، ذكر شهادة أبي هريرة - رضي الله عنه - عليها ، وهو إنما أسلم عام خيبر سنة 7 ، وهي مؤرخة في العام الثاني من الهجرة ‏.‏

وانظر عن ‏:‏ ‏"‏ دير طور سيناء ‏"‏ ، والذي سمي في القرن التاسع باسم ‏:‏ ‏"‏ دير سانت كاترين ‏"‏ ‏:‏ ‏"‏ الموسوعة العربية الميسرة ‏:‏ 1 / 830 ‏"‏ و ‏:‏ ‏"‏ المنجد ‏"‏ مادة ‏:‏ ‏"‏ دير طور سيناء ‏"‏ ‏.‏ و ‏"‏ المنجد في الأعلام ‏.‏ ص / 295 ‏"‏ ‏.‏

8- وتستهدف هدم قاعدة الإسلام ، وأصله ‏:‏ ‏"‏ الولاء والبراء ‏"‏ و ‏"‏ الحب والبغض في الله ‏"‏ ، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين ، ومفاصلتهم ، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم ، والبعد عن موالاتهم ، وتوليهم ، وموداتهم ، وصداقتهم ‏.‏

9- وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ، والأخلاقيات الهدامة ، مفرغاً من كل مقوماته ، فلا يترشح لقيادة أو سيادة ، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا عليه أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية ‏:‏ القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم ‏.‏

10- وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام ، واستعلائه ، وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل ، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى ‏.‏

11- وترمي إلى تمهيد السبيل ‏:‏ ‏"‏ للتبشير بالتنصير ‏"‏ والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وأخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء ، والتبلد ‏.‏

12- ثم غاية الغايات ‏:‏ بسط جناح الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والشيوعين ، وغيرهم على العالم بأسره ، والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى الشرق الأوسط بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي ، وعاصمته ‏:‏ ‏"‏ الجزيرة العربية ‏"‏ بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ ‏:‏ الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه دولة الإسلام ، ولا سمع فيه ، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ، وتنتشر المفسدات ، وتدجن الضمائر ، والعقول ، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ، وشريعة مستقيمة ‏.‏ وما ‏"‏ مؤتمر السكان والتنمية ‏"‏ المعقود بالقاهرة في ‏:‏ 29 / 3 / 1415 و ‏"‏ المؤتمر العالمي للمرأة ‏"‏ المعقود في بكين عام 1416 ‏.‏ إلا طروحات لإنفاذ هذه الغايات البهيمية ‏.‏

هذا بعض ما تستهدفه هذه النظيرة الآثمة ، وإن من شدة الابتلاء ، أن يستقبل نزر من المسلمين ، ولفيف من المنتسبين إلى الإسلام هذه ‏"‏ النظرية ‏"‏ ويركضوا وراءها إلى ما يُعقد لها من مؤتمرات ، ونحوها ، وتعلو أصواتهم بها ، مسابقين هؤلاء الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة ، وخطتهم الماكرة ، حتى فاه بعض المنتسبين إلى الإسلام بكفرته الآثمة ‏:‏

‏"‏ إصدار كتاب يجمع بين دفتيه ‏:‏ ‏"‏ القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل ‏"‏ ‏.‏

وإنا لنتلوا قول الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏ إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ‏}‏ ‏[‏ الأعراف / 155 ‏]‏ ‏.‏

ومن المعلوم أن ‏"‏ باب التأويل والاجتهاد ‏"‏ باب واسع قد يؤول بصاحبه إلى اعتقاد الحلال حراماً ، والحرام حلالاً ‏[‏ الفتاوى ‏:‏ 21 / 62 - 65 ‏]‏ ، هذا إذا كان في أصله سائغاً فكيف إذا كان غير سائغ ، بل هو اجتهاد آثم ؛ لمصادمته أصول الدين المعلومة منه بالضرورة ، وعلى كلا الحالين فلا يجوز ترك بيان السنة والهدى ، ويجب رد الاجتهادات والتأويلات الخاطئة ، فضلا عن الفاسدة أصلاً ، بل يجب البيان لحفظ هذا الدين ، وكف العدوان عليه ‏.‏ وهذا من إعطاء الإسلام حقه ، والوفاء بموجب العلم والإيمان ‏.‏

إن هذه الدعوة بجذورها ، وشعاراتها ، ومفرداتها ، هي من أشد ما ابلي به المسلمون في عصرنا هذا ، وهي أكفر آحاد ‏:‏ ‏"‏ نظرية الخلط بين الإسلام والكفر ، والحق والباطل ، والهدى والضلالة ، والمعروف والمنكر ، والسنة والبدعة ، والطاعة والمعصية ‏"‏ ‏.‏

وهذه الدعوة الآثمة ، والمكيدة المهولة ، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف ، والانتحال ، وفاسد التأويل ، وإن هذه الأمة المرحومة ، أمة الإسلام ، لن تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها - بحمد الله - طائفة ظاهرة على الحق ، حتى تقوم الساعة ، من أهل العلم والقرآن ، والهدى والبيان ، تنفي عن دين الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، فكان حقاً علينا وعلى جميع المسلمين ‏:‏ التعليم ، والبيان ، والنصح ، والإرشاد ، وصد العاديات عن دين الإسلام ‏.‏ ومن حذر فقد بشر ‏.‏

هذا جواب على سبيل الإجمال يطوّق هذه النظرية الخظرة ويكشف مخططاتها القريبة ، والبعيدة في الهدم ، والتدمير ، وقفزهم إلى السلطة بلا مقاوم ‏.‏

وخلاصته ‏:‏ ‏"‏ أن دعوة المسلم إلى التوحيد دين الإسلام مع غيره من الشرائع والأديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة الإسلام ‏:‏

ردة ظاهرة ، وكفر صريح ؛ لما تعلنه من نقض جرئ للإسلام أصلاً ، وفرعاً ، واعتقاداً ، وعملاً ، وهذا إجماع لا يجوز أن يكون محل خلاف بين أهل الإسلام ‏"‏ ‏.‏ وإنها دخول معركة جديدة مع عباد الصليب ، ومع أشد الناس عدواة للذين آمنوا ‏.‏ فالأمر جد وما هو بالهزل ‏.‏

والآن أقيم الأدلة مفصلة على هذه الخلاصة الحكمية ، لأن النفوس تطمع بإقامة الدليل ، وإظهار البراهين ، وتوضيح الحجة للسالكين ، فإلى البيان مفصلاً حتى لا تخفى الحال على مسلم يقرأ القرآن ، ولتنقذه من التيه في ضباب الشعارات الكاذبة ونقول لكل مسلم ‏:‏ ‏{‏ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ‏}‏ ‏[‏ الجاثية / 6 ‏]‏ ‏.‏